رابح سعدان استفاد من أخطاء القاهرة، ويستحق منا كل التحية
نعم أخطأ رابح سعدان في مباراة القاهرة بالعودة الشديدة للخلف وترك الملعب بالكامل للمنتخب المصري لكي يبني هجومه بشكل جيد ويشن الهجمة تلو الأخرى على المرمى الجزائري، ولكنه تعلم اليوم الدرس جيدًا ونجح بشكل رائع.
خطأ المنتخب الجزائري الأكبر في مباراة القاهرة هو دفاعه من قلب منطقة الجزاء وغياب الضغط الدفاعي عن وسط الملعب، مما جعله رد فعل للهجمات المصرية أو بمعنى آخر أن المنتخب المصري فرض أسلوبه على الملعب ولهذا نجح بالتسجيل.
ولكن ما حدث في مباراة الخرطوم أن سعدان وعي الدرس ودافع تلك المرة من نصف ملعبه واعتمد أسلوب الضغط الدفاعي القوي على بدايات الهجوم المصري مما جعله يبدأ في الخط الخلفي (هاني أو عبد الظاهر أو جمعة) وينتهي في الخط الأمامي (الحارس شاوشي) بدون أن يمر على خط الوسط أبدًا لأنه ملك للاعبي المنتخب الجزائري، وهنا انعكس الأمر وفرض المنتخب الجزائري أسلوبه على المصري وجعل الهجوم المصري مجرد رد فعل، والغريب العجيب أن المنتخب المصري اعتمد أسلوب الكرات الطويلة بعد خروج المهاجم الوحيد القادر على التعامل معها وهو عمرو زكي، فجميعنا يعلم أن متعب وأبو تريكة وزيدان يجيدون اللعب على الأرض وليس في الهواء ولهذا كانت كل تلك الهجمات توأد قبل أن تولد بواسطة مدافعي المنتخب الجزائري وحارس مرماه وهم مجموعة ممتازة للغاية في الكرات الهوائية.
أمر آخر تعلم منه رابح سعدان، وهو خطأ ارتكبه في المباراة الأخيرة باخراج المهاجمين والعودة للخلف بالكامل بحيث لعب بخطين فقط هما الدفاع والوسط، ولكنه في مباراة اليوم حافظ على تواجد مهاجم على الأقل في الأمام ليضغط على مدافعي المنتخب المصري ويمنعهم من التقدم لدعم الهجوم كما حدث في مباراة القاهرة، وهو نجاح يؤكد قراءة المدرب الواعية والممتازة جدًا للمباراة السابقة.
وبشكل عام، فقد لعب المدرب المتميز بأفضل طريقة ممكنة يستخدم بها كل أدواته المميزة ويخفي بها نقاط ضعف الفريق، ورغم أنه فنيًا ربما أقل من المنتخب المصري إلا أن النجاح التكتيكي في ادارة المباراة كانت عامل الحسم في الموقعة الفاصلة ولهذا نؤكد أن الشيخ سعدان صاحب الفضل الأكبر بعد الله عز وجل في تأهل المنتخب الأخضر.
مصر تفشل في تطبيق الفكر الهجومي أمام الدفاع المتكتل
هذا ما لاحظناه بالفعل خلال مسيرة المنتخب المصري طوال الفترة الماضي، فالمنتخب يجيد أسلوب الدفاع الايجابي وهو التطور للكاتيناتشو الايطالي، أي بالاعتماد على الأداء الدفاعي القوي والضغط على المنافس مع تنفيذ الهجمات المرتدة الممتازة والسريعة بواسطة تواجد عدد من اللاعبين المهاريين جدًا في وسط وهجوم المنتخب المصري، وبهذا الأسلوب نجح الفريق في بطولة 2008 ثم القارات ثم بعض المباريات الأخرى، لكنه فشل في تطبيق الأسلوب الهجومي القوي أمام المنتخبات التي دافعت أمامه بشكل قوي مثل زامبيا والجزائر رغم امتلاكه الكرة في فترات كثيرة من المباراة.
هذا الفشل في الأسلوب الهجومي أمام من يدافع بقوة ناتج عن غياب الجمل الهجومية الفنية عن الفريق، وإن طبقنا الأمر على مباراتي الجزائر نجد التالي:
غياب كامل للتسديد من خارج منطقة الجزاء رغم أنه أبرز أسلحة التغلب على الدفاع المتكتل.
غياب الاختراق من أطراف الملعب والقصد هنا الاختراق وصولًا لداخل منطقة الجزاء وليس التمريرات العرضية من خارج المنطقة.
غياب النجاح عن التمريرات العرضية، فأغلبها كان فاشل بدرجة كاملة والتمريرتين الوحيدتين كانتا هدف عماد متعب وفرصة محمد بركات في مباراة القاهرة، واليوم غابت بشكل كامل حتى من الركنيات.
غياب الألعاب الجماعية في الجزء الأمامي من الملعب، وهي تلك التي يتشارك بها جميع اللاعبين وتكرر بشكل دائم حتى تنجح احداها في الاختراق، فالفرص كان جلها من مهارات فردية للاعبين أو تمريرات بينية من أبو تريكة لسيد معوض وهي الجملة الوحيدة الموجودة خلال 180 دقيقة.
أخيرًا، كلمة عن الجانب النفسي والذهني
هنا التفوق الكامل كان كذلك للجزائر بالكامل وتُمثل في اتحاد كرة القدم والجهاز الفني واللاعبين الكبار في الفريق، وبالعكس تمامًا كان الفشل المصري متمثلًا في الاعلام المصري واتحاد كرة القدم والجهاز الفني.
المنتخب الجزائري تمكن من التغلب على صدمة الهدف القاسي من عماد متعب، ونجح رابح سعدان بمساعدة الجميع في تحويل تلك الصدمة لدوافع ايجابية رأيناها على أرض الملعب من خلال القوة والرغبة في التدخلات وسباقات الجري بين اللاعبين، وقد ساعد في هذا الأمر التفوق الجماهير للمنتخب الجزائري وهو الأمر الغير متوقع أبدًا.
بالعكس تمامًا كان تصرف الجانب المصري، الذي بدأ يحتفل بالتأهل للمونديال القادم خلال اعلامه وشوارعه وكأنه حدث بالفعل، وقد احتسب الجميع ما حدث في القاهرة انجاز كبير متنساسين أن الانجاز يكون بالتأهل للمونديال لا بالاقتراب من ذلك، وبلا شك أن ذلك الاحساس وصل للجهاز الفني ومنه للاعبين وقد ترجم بواسطة تشكيل المباراة وحالة الثقة النسبية في بدايتها، والغريب أن هذا الأمر تكرار لما حدث في بطولة القارات الأخيرة !!!.
اضافة لأمر آخر، وهو الحضور الجماهيري في المباراة، وهنا اعتمد الجانب المصري على الكلام وفقط الكلام مثلما كان الحال في الصفر المونديالي، فالجميع تحدث عن مساندة سودانية قوية وعن أن شعب السودان هو شعب مصر وأنهم بلد واحد ونيل واحد وووو وفي النهاية كانت الصدمة من هناك من ملعب الخرطوم برؤية ملعب يشهد تفوق جماهيري جزائري مما سبب نوع من الصدمة للمنتخب المصري وعلى العكس منح المنافس دفعة منعوية كبيرة جدًا.
على العكس ما فعله المنتخب الجزائري وباعتراف المصادر المصرية نفسها، فمنذ الساعات الأولى لما بعد مباراة القاهرة، تحركت السفارة الجزائرية واشترت أعداد كبيرة من التذاكر وبدأت حملة جذب للجماهير السودانية بجانب ارسال أكثر من 100 ألف علم جزائري الى الخرطوم وهو ما ترجم على أرض الملعب اليوم من خلال الجماهير السودانية المناصرة للمنتخب بجانب الـ10 آلاف مشجع الذين نقلهم الرئيس الجزائري على نفقة الدولة للسودان.
مبروك الجزائر وهاردلك لأفضل أجيال الكرة المصرية
أخيرًا نقول مبروك للمنتخب الجزائري ممثل العرب الوحيد في البطولة العالمية، خاض تصفيات طويلة وصعبة وتلقى صدمات كثيرة لكنه تمسك بالأمل حتى المحطة الأخيرة وتخطى كل الصعاب وتفوق في المباراة الأخيرة تكتكيًا وبدنيًا وذهنيًا.
ونقول هاردلك لأفضل أجيال المنتخب المصري من جميع النواحي الفنية والذهنية والبدنية والأخلاقية، تعبوا واجتهدوا لكنهم دفعوا ثمن أخطاء صعبة وكارثية في أكثر من محطة سواء البداية أمام زامبيا أو النهاية أمام الجزائر، وفي النهاية تلك كرة القدم وبدون أخطاء لن تكون.
ولكن على الشعب المصري وجميع أطراف كرة القدم في مصر ادراك أمر أساسي للنجاح، وهو أن أمم أفريقيا 2008 انتهت منذ أكثر من عام وأن الأمور لا تبقى على حالها، كان لابد من مواصلة العمل لضمان التطور والنجاح والأهم العمل بالأدوات الحالية وليس بأدوات يناير 2008.
ونُهدي الجهاز الفني والاتحاد المصري لكرة القدم والاعلام المصري تصريح قام به مدرب المنتخب الاسباني "دل بوسكي" من يومين وخلال المؤتمر الصحفي للمباراة الودية أمام النمسا والتي تقام اليوم، وقد قال:
"أرجوكم توقفوا عن الحديث حول النجاح في يورو 2008 فقد انتهى، حدثوني الآن عن مباراة النمسا الودية فهي المستقبل وهي الأهم"