المقالة منقولة عن جريدة"صوت الأمة"..العدد 118 الاثنين 3/3/2003م " وبتصرف
زحام المصريين علي مقامات آل البيت أذهل أهل الشيعة أنفسهم ،ففي مولد "الحسين"الماضي دعت الطريقة العزمية سفير إيران ليحتفل معهم،يومها قال"لقد فوجئت بمشاركة مليوني نسمة من المصريين جاءوا من القاهرة وشتي أنحاء مصر،ولم أر قط مثل هذه المشاركة في أي مكان آخر ،لقد كانت جميع الشوارع المؤدية إلي مسجد الحسين مغلقة علي السيارات ولم تكن هناك إمكانية حتى لتردد المارة.
قصة العتبات المقدسة طويلة فعندما عادت السيدة زينب أخت الإمام الشهيد الحسين بن علي إلي المدينة المنورة ومعها سيدات أهل البيت بالإضافة إلي الزهرة التي بقيت من صلب الحسين علي زين العابدين وحين ضيق عليها الأمويون الخناق في المدينة وخيروها بين أن تذهب إلي أرض الله الواسعة اختارت مصر دارا لإقامتها ومقامها .. لماذا؟ تجمع كتب التاريخ أنها اختارت مصر أرض الكنانة لما سمعته عن أهلها من محبتهم لأهل البيت ومودتهم لذوي القربى من آل محمد وحينما بدأ موكب السيدة زينب يشارف أرض مصر ذهبت كافة طبقات المجتمع المصري لاستقبالها عند بلبيس عام 61هجرية حتى إنها رضي الله عنها حينما شاهدت احتفال أهل مصر بها ظلت تردد "هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون"ومنذ ذلك التاريخ كانت السيدة زينب ولا تزال قبسا من أقباس النبوة في مصر وما فعله أهل مصر مع السيدة زينب فعلوه مع تلك الأغصان من الدوحة النبوية المباركة التي جاءت إلي مصر بعدما فعلوه مع السيدة نفيسة بنت سيدي حسن الأنور التي جاءت إلي مصر في 25رمضان عام 193هجرية.
وحين فكرت السيدة نفيسة في العودة إلي المدينة المنورة فإن أهل مصر لم يتركوها وتكاثروا عليها من كل فج وفي وقت يرجون فيه بركتها وأسقط في أيديهم حتى أنهم ذهبوا إلي الوالي كي يتشفع لهم ويرجو السيدة نفيسة البقاء ومن أشهر الأضرحة أو العتبات المقدسة الموجودة في مصر الآن ومنذ زمن بعيد ضريح السيدة عائشة وجاءت إلي مصر في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور طلبا للأمان. وكعادة أهل مصر فقد لاقت السيدة عائشة حفاوة بالغة حين عرفوا بمقدمها الشريف وقد عرفها كل من كان حولها بلقب"أم فروة" وقد شرفت أرض مصر وأقامت بها حتى توفيت في عام 145هجرية وقد دفنت رضي الله عنها في الدار التي كانت تقيم فيها منذ أن قدمت إلي مصر.
وفي هذا المسار لآل البيت وخلال جولة العاشق لهم ولعتباتهم المقدسة يمر قاصدهم بضريح ومقام السيدة الطاهرة كريمة الدارين ورئيسة أهل التصوف السيدة"نفيسة"، وصلت السيدة نفيسة إلي مصر بصحبة زوجها يوم السبت 26رمضان 193هجرية وكان ذلك قبل قدوم الإمام الشافعي إلي مصر بخمس سنوات وفي العريش استقبلها أهل مصر استقبالا حافلا حتى وصلت مصر وأقامت في بيت كبير التجار وكان من أهل التقوى ثم انتقلت لتقيم في بيت أم هانئ وكانت إحدى السيدات العابدات في مصر آنذاك وأخيرا انتقلت للإقامة في الدار التي وهبها لها والي مصر"السري بن الحكم" في خلافة المأمون العباس. وفي شهر رجب عام 208مرضت السيدة نفيسة ولما أحست بدنو أجلها بعثت إلي زوجها إسحاق المؤتمن كتابا وحفرت قبرها بيدها وكانت تنزل وتصلي به كثيرا. وعندما توفيت أراد زوجها أن يحملها إلي المدينة المنورة لكي يدفنها بالبقيع فاجتمع أهل مصر إلي الوالي واستجاروا به عند زوجها فأبي فجمعوا له مالا وفيرا حتى وسق بعيره،وسألوه أن يدفنها عندهم فأبي.. فباتوا في ألم عظيم . فلما أصبحوا اجتمعوا إليه فوجدوه مستجيبا لرغبتهم فلما سألوه عن ذلك قال:رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو يقول لي:"رد عليهم أموالهم وادفنها عندهم".
وتأخذ السيدة نفيسة مكانة خاصة في قلوب المصريين ورجالات الفن والسياسة في وقتنا الحاضر،كان يقصدها الفنان علاء ولي الدين حتى قبيل وفاته وقصدها رجالات السياسة اللواء زكي بدر ويقصدها الفنانون محمد ثروت وسمير الإسكندراني وكانت تقصدها ومازالت الفنانة شادية وأحمد بدير وغيرهم ولها مكانة خاصة عند المصريين إلي الدرجة التي لا تكتمل فرحة الشباب والفتيات المقبلين علي الزواج إذا لم يتم عقد قرانهم في دوحة السيدة نفيسة رضي الله عنها .
ومن أبهي العتبات المقدسة لأهل البيت في مصر عتبة السيدة الطاهرة سكينة ابنة الإمام الحسين بن الإمام علي رضي الله عنهم أجمعين،وقد قدمت رضي الله عنها إلي مصر مع عمتها السيدة زينب بعد معركة كربلاء وظلت تعيش في دار بالقرب من دار عمتها السيدة زينب حتى توفيت ودفنت بها وبالتالي أقيم في هذه الدار ضريحها الموجود حاليا بالمسجد الذي يحمل اسمها.
وفي منطقة الدرب الأحمر في زقاق يعرف باسمها يوجد مشهد السيدة فاطمة النبوية في مسجدها الجليل ومقامها العظيم وقد اشتهر أن لها مقاما آخر في درب سعادة لكن يؤكد المؤرخون عدم صحة ذلك.. ويرجح بعضهم أن يكون مشهدها في درب سعادة هو مقر عبادتها .وقد قدمت رضي الله عنها إلي مصر مع عمتها السيدة زينب رضي الله عنهما وظلت في مصر حتى توفيت عام 110هجرية ودفنت في المكان الموجود به الضريح الآن.
وفي شارع الخليفة في منطقة الخليفة يوجد ضريح السيدة رقية وهو الضريح الذي اختلف حوله المؤرخون فمنهم من قال إنه للسيدة رقية بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم وشقيقة السيدة الزهراء ومنهم من قال إنه للسيدة رقية ابنة الإمام علي ،وقد أشارت كتب التاريخ التي تناولت الأضرحة والمشاهد والعتبات المقدسة لآل البيت إلي أن هذا الضريح إنما هو من مشاهد الرؤيا.
وفي الحي المعروف باسمه حي زين العابدين يفوح شذا مقام الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين رضي الله عنهم أجمعين وفي هذه الروضة المحمدية ترقد أيضا الرأس الشريف لابنه الإمام زيد ،والإمام علي زين العابدين هو الابن الذي نجاه الله من بين يدي رجال يزيد بن معاوية ومن خلاله زادت ذرية الإمام الحسين وأنارت الدنيا بأخلاقها وعلمها. وقد ولد الإمام علي زين العابدين رضي الله عنه في المدينة في بيت جدته السيدة فاطمة الزهراء وذلك في يوم الخميس السابع من شعبان سنة 37هجرية.
وقد علمه والده الإمام الحسين علوم الدين وهو طفل فنما والدين يملأ عقله وقلبه وقد وفد رضي الله عنه إلي مصر مع عمته السيدة زينب رضي الله عنهما وقد اشتغل رضي الله عنه بالتجارة ففاضت عليه بالرزق الوفير وخصص جزءا كبيرا منها في تحرير الموالي الذين كان يشتريهم ويؤدبهم بأدب الإسلام ثم يعتقهم لوجه الله.
هذا وتزخر مصر كنانة الله في أرضه بالعديد من العتبات المقدسة لآل البيت رضوان الله عليهم أجمعين، منهم الإمام محمد الجعفري بن جعفر الصادق وتتوالي فيوضات آل البيت الذين اختاروا مصر مقاما لهم بعدما وجدوا فيها الأمان في الحياة وفي العبادة حيث يوجد مشهده رضي الله عنه في شارع الأشرف علي مقربة من شارع أحمد بن طولون وضريح السيدة كلثوم بنت القاسم ،واستمر توافد أحفاد الرسول صلي الله عليه وسلم إلي مصر حتى باتت أرض الكنانة يفيح شذاها لما شرفت به عن سائر الأقطار في أن حباها الله عز وجل وجعلها ملاذا آمنا لأحفاد الرسول صلي الله عليه وسلم وقد كان أهل مصر ـ ومازالوا ـ مؤمنين محبين لرسول الله ودوحته المباركة وسيظلون علي هذا الإيمان إلي أن يشاء الله.