'وما عرفنا القضية الفلسطينية إلا من خلال كوفية ياسر عرفات ' .. هذا ما قاله الزعيم السوفياتي الراحل ليونيد بريجينيف ،معبراً عن رمزية الكوفية التي حولها ياسر عرفات من مجرد رداء إلى رمز وطني ثم إلى رمز نضالي عالمي تلتف على اكتاف المناضلين ويتلثم بها المضطهدون في مختلف أنحاء العالم..
وبسبب هذه الدرجة العالية من القداسة التي وصلتها الكوفية .. جاهدت الفصائل الفلسطينية المختلفة في منافسة حركة فتح على هذه الرمزية ولسان حالها يقول هي ليست شعاراً فتحاويا بل رمزا فلسطينياً مقدساً يتجاوز الحزبية والفصائلية.
وبمقدار ما جمعت الكوفية من مناصرين ومناضلين حولها ... فهي أيضاً كتّلت أعداءها لنجد الحرب على الكوفية بلغت ذروتها في يومنا الحاضر ومن كل حدب وصوب ..
قبل أيام قليلة .. فوجيء الناس بالكوفية تقتحم أضخم دور الأزياء وتتصدر ساحة الموضة العاليمة، لتنتقل الكوفية من أيقونة فلسطينية إلى نضالية .. من شوارع جباليا والجلزون والدهيشة إلى إكسسوارات في شوارع باريس بعد أن عددوا ألوانها وخاماتها..
فمنذ أن أطلق مصمم أزياء دار «بالانسياغا»، نيكولا غيسكيير موضة الكوفية أو ما يشبهها بالشكل واللون في العام الماضي، حتى تلقفتها شوارع الموضة والشباب. وفي لبنان سارعت محلات Sarah’s Bag للأشغال اليدوية والحرفية الى تبني هذه الفكرة واعتمدتها عنوانا رئيسيا في مجموعتها لشتاء وصيف 2008، مع العلم ان هذه المحلات سبق لها واستخدمت قماش الكوفية في صناعة أول تشكيلة حقائب أطلقتها بادارة السيدتين سارة بيضون وسارة نحولي.
يجتهد البعض بالقول إن تحويل الكوفية لأزياء عالمية إنما هو مصدر فخر لفلسطين ولشعب ياسر عرفات.. فيما يجتهد البعض الآخر بالقول إن ذلك يندرج ضمن محاولات تمييع الكوفية ونزع الطابع الفلسطيني عنها ، سيما بعد محاولات اسرائيلية بسرقة الكوفية وتبديل مربعاتها المعينية السوداء بنجم سداسية زرقاء ..
رغم ذلك نجد الخطورة تتعدى إقحام الكوفية في ساحات الموضة.. فالخطر يكمن بين ظهرانينا..
بالأمس القريب بيع في محلات بيت لحم السياحية كوفية فلسطينية كُتب عليها باللغة الانجليزية ' TEL AVIV ' فكان لزاماً على الشرطة الفلسطينية التحرك وضبط هذه البضائع الخيانية وملاحقة مروجيها وإيداعهم السجن بتهمة محاولات ضرب التاريخ الوطني والعمل لصالح جهات اجنبية معادية.
وذلك أيضاً نجده أقل خطورة من حرب أخرى معلنة ضد الكوفية وقداستها ... هذه الحرب ترافقت مع الحرب المعلنة ضد العلم الوطني الفلسطيني ... هناك في غزة هاشم .. غزة الثورة .. غزة المسلوبة من قبل هولاكو العصر الحديث ..
بدأت هذه الحرب في اليوم الأول الذي فازت به حماس في الانتخابات التشريعية... ففي اليوم الأول اعتلى أبناء حماس أسطح المجلس الشتريعي فرحين بنشوة النصر التي دفعتهم إلى إخراج مكنوناتهم الداخلية نتاج تربيتهم على مدى عقود بحقد وتعصب.. إذ قام هؤلاء بإنزال العلم الفلسطيني عن سطح المجلس التشريعي رافعين بدلاً منه راية خضراء معلنين إنتهاء عصر ' الكفار ' بإنزال علمهم ورفع راية 'الحق'...
إستمر هذا المشهد لنحو عشر دقائق وسط هتافات أبناء حماس ' ظهر الحق وزهق الباطل ' .. وقد دفع هذا المشهد الناس إلى التفكير ..' وهل كانت حماس تخدعنا طوال هذه الفترة حين كانت ترفع ذات العلم الذي نرفعه؟؟؟ هل تمسكنت حماس حتى تمكنت؟؟ هل علم فلسطين يُعد شعاراً للباطل ؟؟؟ وهل كانت إسرائيل تحارب هذا العلم وتعتقل من يرفعه لمدة ستة أشهر لأنها تحارب الباطل ورموزه؟؟ - استمر هذا التساؤل حتى إنتهى المشهد الأسود حين صعد أفراد من قوات الامن الوطني وقوات الـ 17 ليعيدوا العلم الفلسطيني مكانه مشهرين شارة النصر والبندقية... في حركة أعادت للعلم قدسيته رغم هتافات المراهقين المحتشدين.
وحتى اليوم .. لا ترفع حماس في مسيراتها ومهرجاناتها العلم الفلسطيني ولا تعترف به .. اللهم إلا في مؤتمراتهم الصحافية ومؤتمرات قادتهم في تواصل لمسلسل الخداع.
ما لاقاه ويلاقيه العلم .. تلاقيه الكوفية بشكل أكثر ضراوة .... فالكوفية بدّلها 'أستاذهم المجاهد' اسماعيل هنية بمنديل ناصع البياض يضعه على رأسه في محاولة لإيصال رسالة بأن التغيير وصل حتى الكوفية .. وقد إنتهى عهد الكوفية التي عرفناها من على رأس ياسر عرفات ليبدأ عهد كوفية اخرى من على رأس اسماعيل هنية .. وشتان بين الأول والأخير.
هذا في وقت لا يزال فيه خالد مشعل يستخدم كوفية عرفات في محاولة يائسة للتمثل به والحلول في مكانته التاريخية باعتباره البديل القادم عن ياسر عرفات ضمن أحلامه المريضة.
وفي مواجهة هذه الحرب المعلنة على الكوفية من قبل أبناء جلدتنا . بدأ الناس ودون قرار مسبق وبعقل جماعي في إعادة القدسية لكوفيتهم .. فهي باتت زينة تعلق في سياراتهم.. ووشاحا يلتف على رقاب الصبايا والشباب في المدارس والجامعات .. بل هي أضحت زيا فلسطينيا يفتخر به في عقر اسرائيل ... في ام الفحم وطمرة والنقب كفر قرع .. بل وفي تل أبيب.
قبر الكوفية تحفره حماس الآن في سجونها ... إذ باتت هذه الكوفية وسيلة من وسائل التعذيب التي تستخدمها حماس في سجونها ... تحولت الكوفية إلى حبال تربط بالسقف في غرفة نتنة ليعلق بها المعتقلون في محاولة لتحويل صورة الكوفية في أذهانهم وخلق عقدة الكراهية تجاه هذا الرمز النضالي.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ... بل فوجيء بعض المعتقلين في سجون حماس .. بل في مراحيض هذه السجون .. ان ما من اوراق صحية يستخدمها المعتقلون بعد قضاء حاجتهم .. سوى قطع ممزقة من الكوفية ...
الكوفية من رمز نضالي جاب العالم ... ولاقى الاحترام في كافة انحاء العالم ... إلى قطع ممزقة تُستخدم لأقذر الحاجات .. وفي سجون أقذر البشر...
رغم ذلك تسأل معتقلاً غزاوياً مفرجاً عنه من سجون حماس عن معنوياته فيقول لك : ' علي الكوفية'.