قال تعالى ( واتخذ الله إبراهيم خليلا ) صدق الله العظيم
إنه لشرف عظيم لمدينة الخليل ثاني أقدس مدينة إسلامية في فلسطين بعد القدس أن تسمى بهذا الاسم السامي ، اسم جد الأنبياء والمرسلين إبراهيم الخليل عليه السلام ، ويزيدها إجلالا أنها من أقدم مدن العالم وأعرقها.
ويمتد تاريخ مدينة الخليل إلى أكثر من ستة آلاف سنة منذ عهد الكنعانيين الساميين ، فهي مدينة تتحدث بآثارها ومظاهرها وصورها الحضارية وأهلها الكرام عن التاريخ القديم والمتوسط والحديث وتثير فينا الذكريات المختلفة عبر تاريخها الطويل .
تقع محافظة الخليل جنوب مدينة القدس ، ويبلغ تعداد سكانها نصف مليون نسمة ، وتشمل على مائة وعشرين بلدة وقرية ومخيم وترتفع جبالها الجميلة الخضراء حوالي الألف مترا عن سطح البحر ، وتشتهر بالزراعة والصناعة وخصوصا زراعة العنب .
مدينة الخليل من المدن التي تتميز بتاريخ طويل وحافل بالوقائع ، وتدل الآثار التي اكتشفت فيها على أن تاريخها يرجع إلى سنة 3500 قبل الميلاد ، وقد مرت المدينة بمراحل عديدة منها :
المرحلة الأولى : كانت المدينة تدعى قرية أربع نسبة إلى منشئها الملك أربع العربي الكنعاني المنتمي إلى قبيلة العناقيين ، وهي التي كانت منازلها ممتدة على الجبال الواقعة بين الخليل والقدس وقد كانوا يوصفون بالجبابرة ، مع العلم أن الكنعانيين حكموا المنطقة من سنة3500 – 1200 قبل الميلاد .
المرحلة الثانية : في أوائل القرن التاسع عشر قبل الميلاد وفد إليها سيدنا إبراهيم عليه السلام واتخذها مقرا له . حيث سكن بضع سنين تحت بلوطات واقعة شمال المدينة ، وعند وفاته دفن فيها وبعض أفراد أسرته مثل زوجته سارة وولده اسحق وزوجته رفقة ويعقوب وولده يوسف وزوجة يعقوب ليقة عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم وهذه الأضرحة واقعة في مغارة أسفل الحرم الإبراهيمي في الخليل . وقد اشتراها سيدنا إبراهيم من عفرون بن صوفر الحثي .
المرحلة الثالثة :عندما خضعت المدينة للعبرانيين الذين خرجوا مع سيدنا موسى عليه السلام من مصر وذلك اثر هزيمة الكنعانيين ، أطلقوا عليها اسم حبرون نسبة إلى أحد ابناء كالب بن يقنة اليهودي ، وحبرون اسم يهودي يعني عصبة وقد اتخذها سيدنا داود قاعدة له أكثر من سبع سنين ، وفي عهد سيدنا سليمان اهتم بأضرحة سيدنا إبراهيم وعائلته .
المرحلة الرابعة : تم بناء السور الضخم الذي يحيط بالحرم الإبراهيمي ، ويرجح أنه من بقايا إقامة هيرودوس الآدومي الذي ولد المسيح عليه السلام في آخر حكمه ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الشرفات في أعلى السور إسلامية .
وفي عهد الرومان أقام الامبرطور أبوستيناس ( 527- 565 ) م كنيسة على أضرحة سيدنا إبراهيم وعائلته ولكنها هدمت من قبل الفرس بعد ذلك سنة 614 م .
المرحلة الخامسة : بعد زوال الحكم الروماني خضعت الخليل للحكم الإسلامي (638– 1087 م ) وفي هذا العهد تم الاهتمام بالمدينة بشكل واضح .
وفي أواخر القرن الحادي عشر سنة 1099 م سقطت الخليل في يد الصليبيين ، وبعد معركة حطين سنة1187 م استطاع القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي أن يحررها من الصليبيين ويحول كنيستها إلى جامع وهو الحرم الحالي .
وبعد انتهاء الحملات الصليبية تعرضت الخليل للغزو المغولي المدمر ، وقد وضع لهذا الغزو حد على يد المماليك بقيادة السلطان قطز وقائده بيبرس ، وذلك إثر معركة عين جالوت سنة 1260 م
المرحلة السادسة : دخلت المدينة تحت الحكم المملوكي ( 1250 – 1516 ) م وقد أولاها المماليك اهتمامهم فقد رتب الظاهر بيبرس السماط في الخليل وهو نوع من الطعام يوزع على الزوار والفقراء ، وكذلك الرواتب للمقيمين والواردين ، وفي عهده توفي الشيخ على البكاء الذي لا يزال قبره وزاويته موجودين في المدينة علاوة على أن حارة الشيخ في المدينة منسوبة إليه ، وقد لقيت المدينة اهتماما بالغا من جميع أمراء المماليك ، فقد قام سيف الدين قلاوون الألفي سنة 1290 م ببناء بركة السلطان ، وفي عهد ابنه محمد سنة 1341 م تم بناء جامع الجاولي المنسوب إلى سنجر الجاولي وهو يمثل جزءا من الحرم الإبراهيمي الشريف .
وكانت المدينة مركزا هاما من مراكز البريد خاصة مع مصر وغزة والكرك والشوبك . وكانت محطة للبريد الجوي بوساطة الحمام الزاجل وفي عهدهم كانت المدينة تضم اثنتان وعشرين زاوية ، وعدد من الحارات أهمها حارة الأكراد – حارة الشيخ – حارة الجبارنة – حارة المشارقة – حارة السواكنة .
المرحلة السابعة : في عام 1517 م حكم العثمانيون المدينة واستمر حكمهم حتى سنة 1917 م ويعتبر القرن الثامن عشر من عصور الخليل الزاهية ، حيث اشتهرت الخليل بصناعة الصابون – غزل القطن والزجاج ، واشتهرت بمحاصيلها الزراعية المتنوعة كالعنب والزيتون والقطن وكذلك اشتهرت بالتجارة مما دفع كثير من سكانها إلى الهجرة نحو المناطق المجاورة مثل الكرك – مصر يافا – القدس ... وغيرها .
المرحلة الثامنة: بعد أربعة قرون من الحكم العثماني وقعت المدينة تحت الاستعمار البريطاني سنة1917 م وهذا كان مرتبطا بظروف الحرب العالمية الأولى وانتصار الحلفاء بها ، فقام سكانها بكثير من الثورات في محاولة لوضع حد للاحتلال .
وفي هذه الفترة سعت بريطانيا إلى تهجير اليهود من أوروبا إلى فلسطين والتمهيد لإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين ، وفي سنة 1947قامت بريطانيا بإنزال العلم البريطاني ورفع العلم اليهودي ، حيث تم تسليم جزء كبير من فلسطين لليهود لإقامة دولتهم عليها ، وبذلك فقدت الخليل حوالي ستة عشر قرية منها : برقوسيا – بيت نتيف- بيت جبرين – الدوايمة – رعنا – زكريا – دكرين – زيتا – عجور – القبيبة – كدنا – مغلس ........ أما باقي المدينة فقد ضمت تحت الحكم الأردني حتى عام 1967 .
قامت إسرائيل باحتلال باقي فلسطين سنة 1967 ووقعت مدينة الخليل تحت الاحتلال الإسرائيلي وفي سنة 1994 قدمت السلطة الوطنية الفلسطينية برئاسة الرئيس ياسر عرفات للإشراف على جزء بسيط من بعض المدن والقرى التي احتلت سنة 1967 إلى يومنا هذا ، وينتظر سكان مدينة الخليل وباقي المدن تحرير فلسطين وإعادة حقوقهم إليهم .