تفيد الأبحاث السلوكية أن تلبية رغبة الطفل أو منحه ما يريده عندما يستخدم أسلوب الصراخ والتدمير يعدّ السبب الرئيسي لجعل هذا التصرف عادة عند الطفل. وتشير الدراسات إلى أن %60 من الصبيان و%40 من البنات تنتابهم حالات من الغضب عندما تبلغ أعمارهم 21 شهراً، وأن %14 من مجموع الاطفال يتعرّضون لنوبات من الغضب بشكل متكرّر، و50 % منهم تنتابهم حالة من الغضب مرّة كل أسبوعين. .
من المعلوم أن نوبات الغضب والعصبية تعتبر سلوكاً شائعاً وطبيعياً، وهي تنتاب جميع الأطفال بغض النظر عن مستواهم، خصوصاً اذا صدرت من طفل يتراوح عمره بين عامين وأربعة أعوام، إذ تتميز هذه الفئة العمرية بالتذمر وعدم الانصياع للأوامر بسهولة
الإهمال واللامبالاة
وتشرح اختصاصية العلاج النفسي مي أحمد «ان أفضل طريقة للتعامل مع الطفل أثناء نوبة الغضب والعصبية تتمثّل في الإهمال واللامبالاة بصراخه أو دحرجته على الأرض، وذلك كفيل بتوصيل رسالة له مفادها أنك مهما فعلت فلن تثير أي اهتمام ولن تلبّى لك أية رغبة». وتضيف: «إذا لامس غضبه مستوى تدمير الأشياء، يجب على الأم أن تحمي طفلها الغاضب من ايذاء نفسه. وتتمثّل أفضل طرق العقاب في هذه الحالة بعزل الطفل في مكان آمن بمفرده لمدة عشر دقائق بدون عقاب أو ثواب، ويمكن اطالة هذه المدة إن لم يهدأ ويستجب للأوامر».
وتحذّر من الاستجابة لأي من رغبات الطفل، وهو في قمّة الثورة والغضب حتى لايغريه ذلك باتباع أسلوب الصراخ للحصول على كل ما يريد. كما تنصح بعدم الرد على غضب الطفل بغضب أكثر عنفاً وعدم المبالغة في انزال العقاب به بطريقة عصبية، فالطفل يتبع أسلوب والديه في التعامل مع الغضب!
مظاهر الغضب
ويمرّ الغضب بمراحل عدّة أولها الغضب البسيط، ثم الشعور بالضيق والبكاء لتتفاقم الحالة وتصل إلى الغضب الشديد الذي يشمل تدمير لعبته أو أشياء من حوله. وفي المرحلة الأخيرة، يشعر الطفل بالتعب والارهاق ويعبّر عن غضبه مستخدماً صوته وجسده بسلوك حماسي وبتعبير لفظي أو حركة تتسم بالعدوانية. وفي هذه الحالة، تصعب السيطرة عليه اذ يصبح جسمه موضعاً لتبادل المؤثرات العصبية التي تؤثر على الشرايين اما بالانقباض فتظهر الشحوب على الوجه، واما أن تتوسّع الشرايين فتسبّب احمرار الوجه، مع زيادة سرعة ضربات القلب والتنفس المتتابع والتصبّب عرقاً. ولا تأخذ نوبات الغضب الصبغة المرضية إلا إذا كانت عنيفة جداً ومتكرّرة وتستغرق وقتاً طويلاً. وهنا يفضّل استشارة اختصاصي. وتجدر الإشارة إلى أن الغضب لا يتعلّق بسوء السلوك، فنوبة الغضب عبارة عن انفجار عاطفي، وتعتبر خارج نطاق تحكّم الطفل في نفسه. لذا، يجب التعامل مع الطفل في هذه الحالة بالتروي والصبر.
وهذه المظاهر تبدو على الأطفال العاديين عند شعورهم بالغضب. أمّا الطفل الانطوائي فيبدو الغضب عليه بصورة انسحاب أو انزواء بنفسه وكتمان مشاعره. وقد يرفض الطعام، ولا يبدي تجاوباً مع محاولات خروجه من عزلته. والتعامل مع هذا الطفل يجب أن يكون باحترام مشاعره أولاً، ثم اشراكه بلا ارغام في اللعب مع اخوته أو أصدقائه أو الخروج به في نزهة عائلية.
الإحباط
ومن أهم الاسباب التي تؤدي إلى غضب الطفل، شعوره بالإحباط لعدم تلبية رغباته أو اجباره على القيام بأمر معيّن كالذهاب إلى النوم أو تناول طعام معيّن أو اعطاء شيء لأخيه كان يريده لنفسه. كما يمكن أن يقوم الطفل بتصرفات غاضبة لتقليد الكبار الذين يراهم يعبّرون عن غضبهم بطريقة عصبية. فالقسوة الشديدة هي من الأسباب التي تعرّض الطفل لنوبات من الغضب إذ إن عدم تلبية معظم رغبات الطفل يؤدي إلى شعوره بالحرمان والاضطهاد، علماً أن التشدّد المبالغ فيه بإصدار الأوامر المطلقة التي لا مجال للتراجع عنها والتي تجرح كرامة الطفل تؤدي إلى تراكم الضغوط النفسية التي تصل بغضب الطفل إلى الانفجار! بالمقابل، ان التدليل المفرط بتلبية جميع رغباته يجعله لايحتمل الحرمان من أي شيء فيثور ويغضب.
ويجب على الوالدين عدم تقييد حرّية الطفل والابتعاد عن أسلوب الارغام على الطاعة، فامتثال الطفل لهما يمكن أن يتم عن طريق حوار هادىء بعيد عن الانفعال المبالغ فيه، فذلك ينمّي ثقة الطفل بنفسه ويجنّبه الشعور السلبي بالإحباط، وهذا كفيل بأن يدعم شخصيته السوية فلا يلجأ إلى الهياج والصراخ والتدمير للتعبير عن غضبه.
نعم بدلاً من لا
ويحب الطفل أن يظهر استقلاليته من خلال رفض أي أمر يطلب منه، ويمكن للأم التحايل على هذا الأسلوب الغاضب باتباع الخطوات التالية:
< تجنبي الطلبات الكثيرة والمتكرّرة التي تكون في بعض الأحيان غير مبرّرة وتجعل الطفل لا يعبأ بها كلها. وعليك التحلّي بالمرونة، فعندما تطلبين منه أن يجلس في هدوء تام يكون طلبك غير واقعي إذ إن الطفل لا يستطيع أن يمكث لمدة دقيقة واحدة بلا حراك.
< احرصي على مكافأته اذا استجاب لطلبك أو تعاون معك، وعبّري له عن شكرك وتقديرك ما يزيد من تقبّله لمبدأ الطاعة.
< كوني واضحة ومباشرة عندما تريدين منه أن يفعل شيئاً، واسبقي طلبك بكلمة «لو سمحت».
< اتبعي روتيناً معيّناً، فالأطفال عندما يعتادون على شيء يصبح تنفيذه أكثر قبولاً، وستتجنبين بذلك الكثير من نوبات الغضب خصوصاً عند طلبك منه الذهاب للفراش.
< لتفادي عناد الطفل، يمكنك اللجوء إلى أسلوب التخيير. فإذا كان يصرّ على شيء معيّن يمكنك تخييره بين شيئين آخرين مقبولين من ناحيتك. وعندما يختار سيشعر أنه لم يجبر على شيء ويزول سبب غضبه.
< استغلي خياله الواسع وحبّه للعب للقيام ببعض الأعمال كوضع ألعابه في مكانها عن طريق إجراء سباق بين الالعاب فيوصلها بنفسه بطريقة شيقة إلى أماكنها المعتادة وتصبح غرفته مرتبة.
نصائح هامة
< لا تطلبي من طفلك الامتناع عن التصرّف بطريقة انفعالية إلا إذا امتنعت أنت أولاً عن التصرّف بهذا الأسلوب.
< إذا كنت تخجلين من غضب طفلك وصراخه في الشارع أو عند التسوّق، يجب ألا تصطحبيه معك إلى هذه الأماكن حتى يتعلم التزام الهدوء.
< يمكنك التحايل على نوبة غضب الطفل بطريقة تشتيت الانتباه. فعندما تلاحظين أنه سيبدأ في الصراخ يمكنك أن تشيري إلى شيء لافت للنظر.
< يفيد كثيراً في التخفيف من حدةّ الغضب اشراك الطفل في مزاولة رياضة جسدية.
< لا تناقشي طفلك عن أسلوبه في الانفعال سوى بعد هدوء الموقف تماماً.
< يجب أن تراعى تلبية الحاجات الأساسية للطفل كتناول الطعام والشراب، فهي حاجات تدفعه إلى طلبها بإلحاح شديد وان لم يستجب له سريعاً يتملك منه الغضب.
< ان اعتدال الأبوين في المعاملة مع الطفل بدون قسوة أو تدليل أو عصبية واتخاذ مبدأ التحاور للوصول إلى حل المشاكل يهيئ
مناخاً ملائماً لنمو الطفل على الوجه الأكمل.
< لمنع غضب الطفل من أن يلامس الثورة، يمكنك أن تطلبي منه التنفس بهدوء واعطاءه كوباً من الماء. ويمكن تشجيعه على التعبير عن نفسه والاستماع إلى حجته ومناقشته ما يخفّف من حدّة انفعاله.