هو الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ، أحد أئمّة أهل السنّة وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلاميّ. ويُعَدّ مؤسّسا لعلم أصول الفقه، وأوّلَ من جمع بين الحديث والرأي في استنباط الأحكام الفقهيّة.
ولد في غزة أو عسقلان سنة 150 هـ وهي السنة ذاتها التي توفّي فيها الإمام أبو حنيفة النعمان. نشأ يتيمًا في حجر أمّه في ضيق حال، وكان في صباه يجالس العلماء، ويكتب ما يفيده، وكان في بداية الأمر يدرس الشعر وأيام العرب والأدب، ثم اتّجه نحو تعلّم الفقه فرحل إلى مكّة ومنها إلى المدينة وهو ابن ثلاثة عشر عاما وجالس الإمام مالك بن أنس رحمه الله ولازمه فترة ثم رحل الى اليمن والعراق.
طلب منه عبد الرحمن بن مهدي إمام أهل الحديث في عصره أن يصنّف كتابًا في أصول الفقه فصنّف كتاب "الرسالة"، وهو أول كتاب صنف في أصول الفقه.
رحل إلى مصر سنة 199 هـ حيث أشتغل في طلب العلم وتدريسه، وفوجىء هناك بكتاب "الكشكول" لعبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما وقرأ فيه العديد من الأحاديث النبوية التى رواها عبد الله ودونها و بناءا عليه غيّر الشافعى الكثير من أحكامه الفقهية وفتاواه لما أكتشفه في هذا الكتاب من أحكام قطعت الشك باليقين أو غيرت وجهة أحكامه، حتى انه حينما يسأل شخص عن حكم أو فتوى للإمام الشافعى يقال له هل تسأل عن الشافعى القديم (أي مذهبه حينما كان في العراق أم مذهب الشافعى الحديث) أي الذى كان بمصر، كما صنّف كتبه الجديدة كلها بمصر، وسار ذكره في البلدان، وقصده الناس من الشام والعراق واليمن وسائر النواحي لأخذ العلم عنه وسماع كتبه الجديدة وأخذها عنه. وساد أهل مصر وغيرهم وابتكر كتبًا لم يسبق إليها منها أصول الفقه، ومنها كتاب القسامة، وكتاب الجزية، وقتال أهل البغي وغيرها فضلا عن قصائد كثيرة من الشعر.
حدث محمد بن عبدالحكم قال: ما رأيت مثل الشافعي ، كان أصحاب الحديث يجيئون إليه ويعرضون عليه غوامض علم الحديث ، وكان يوقفهم على أسرار لم يقفوا عليها فيقومون وهم متعجبون منه، وأصحاب الفقه الموافقون والمخالفون لايقومون إلا وهم مذعنون له ، وأصحاب الأدب يعرضون عليه الشعر فيبين لهم معانيه. وكان يحفظ عشرة آلاف بيت لهذيل إعرابها ومعانيها، وكان من أعرف الناس بالتواريخ، وكان ملاك أمره إخلاص العمل لله تعالى.
كان الشافعي رضي الله عنه مشهورا بتواضعه وخضوعه للحق ، تشهد له بذلك مناظراته ودروسه ومعاشرته لأقرانه ولتلاميذه وللناس.
قال الشافعي: "ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطئ ، وما في قلبي من علم ، إلا وددت أنه عند كل أحد ولا ينسب لي".
وقال ايضا: "كل ما قلت لكم فلم تشهد عليه عقولكم وتقبله وتره حقا فلا تقبلوه ، فإن العقل مضطر إلى قبول الحق".
قال الربيع بن سليمان: كان الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين مرة كل ذلك في صلاة. وقال أيضا: كان الشافعي قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء: الثلث الأول يكتب ، والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام.
وقد كان الشافعي رضي الله عنه فصيح اللسان بليغا حجة في لغة العرب ونحوهم، إشتغل بالعربية عشرين سنة مع بلاغته وفصاحته، ومع أنه عربي اللسان والدار والعصر وعاش فترة من الزمن في بني هذيل فكان لذلك أثره الواضح على فصاحته وتضلعه في اللغة والأدب والنحو، إضافة إلى دراسته المتواصلة و إطلاعه الواسع حتى أضحى يرجع إليه في اللغة والنحو.
تُوفّي الشافعي بمصر في رجب سنة 204 هـ وهو ابن 54 سنة، ودفن بسفح جبل المقطم، وجاء القائد الإسلامي الكبير صلاح الدين الأيوبي فيما بعد فبنى قبة على قبره.