هو الإمام المجاهد ابي عبد الله أحمد بن حنبل بن هلال الذهلي الشيباني المزوزي الوائلي ولد في بغداد سنة 164هـ في شهر ربيع الاول/780م يتيما إذ مات أبوه في سن مبكره، وتنقّل بين الحجاز واليمن ودمشق. سمع من كبار المحدثين ونال قسطاً وافراً من العلم والمعرفة، حتى قال فيه الإمام الشافعي: "خرجت من بغداد فما خلّفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقَهَ من ابن حنبل".
يعتبر مذهب ابن حنبل من أكثر المذاهب السنية محافظة على النصوص وابتعاداً عن الرأي. لذا تمسّك بالنص القرآني ثم بالبيّنة ثم بإجماع الصحابة، ولم يقبل بالقياس إلا في حالات نادرة.
إشتُهِرَ الإمام بكونه محدِّثا أكثر مما اشتهر بكونه فقيه مع أنه كان إماماً في كليهما. فقد كان محدِّث عصره وقد جُمِعَ له من الأحاديث ما لم يجتمع لغيره، فقد كتب مسنده من أصل سبعمائة وخمسين حديث، و كان لا يكتب إلا القرآن والحديث من هنا عُرِفَ فقه الإمام أحمد بأنه الفقه بالمأثور، فكان لا يفتي في مسألة إلا إن وجد لها من أفتى بها من قبل صحابياً كان أو تابعياً أو إماماً. وإذا وجد للصحابة قولين أو أكثر، اختار واحداً من هذه الأقوال وقد لا يترجَّح عنده قول صحابي على الآخر فيكون للإمام أحمد في هذه المسألة قولين.
وكان شديد الورع في الفتاوى وكان ينهى تلامذته أن يكتبوا عنه الأحاديث فإذا رأى أحداً يكتب عنه الفتاوى، نهاه وقال له: " لعلي أطلع فيما بعد على ما لم أطلع عليه من المعلوم فأغير فتواي فأين أجدك لأخبرك؟
تعرض الإمام أحمد لمحنة عظيمه إذ اعتقد الخليفة المأمون بن هارون الرشيد برأي المعتزلة في مسألة خلق القرآن، وطلب من ولاته في الأمصار عزل القضاة الذين لا يقولون برأيهم. وقد رأى أحمد بن حنبل ان رأي المعتزلة يحوِّل الله إلى فكرة مجرّدة لا يمكن تعقُّلُها فدافع ابن حنبل عن الذات الإلهية ورفض قبول رأي المعتزلة، فيما قبل أكثر العلماء والأئمة رأي المعتزلة خوفاً من المأمون وولاته.
وألقي القبض على الإمام ابن حنبل ليؤخذ إلى الخليفة المأمون. وطلب الإمام من الله أن لا يلقاه لأنّ المأمون توعّد بقتل الإمام أحمد. وفي طريقه إليه، وصل خبر وفاة المأمون، فرُدّ الإمام أحمد إلى بغداد وسجن ووَلِيَ الخلافة المعتصم الذي امتحن الإمام وعذبه بين يديه، وقد ظل الإمام محبوساً طيلة ثمانية وعشرين شهراً .
ولما تولى الخلافة الواثق، وهو أبو جعفر هارون بن المعتصم، أمر الإمام أن يختفي، فاختفى إلى أن توفّي الواثق. وحين وصل المتوكّل ابن الواثق إلى السلطة، خالف ما كان عليه المأمون والمعتصم والواثق من الاعتقاد بخلق القرآن، ونهى عن الجدل في هذا الأمر. وأكرم المتوكل الإمام أحمد ابن حنبل، وأرسل إليه العطايا، ولكنّ الإمام رفض قبول عطايا الخليفة.
توفي الإمام يوم الجمعة 12ربيع الاول سنة إحدى وأربعين ومائتين للهجرة ، وله من العمر سبع وسبعون سنة. وقد اجتمع الناس يوم جنازته حتى ملأوا الشوارع. وحضر جنازته من الرجال مائة ألف ومن النساء ستين ألفاً، غير من كان في الطرق وعلى السطوح. وقيل أكثر من ذلك.
وقد دفن الإمام أحمد بن حنبل في بغداد. وقيل انه أسلم يوم مماته عشرون ألفاً من اليهود و النصارى و المجوس ، وأنّ جميع الطوائف حزنت عليه.